Friday, September 28, 2007

الطريق إلى مدينة الحرية


من المؤكد أن الدولة التي يحلم الإنسان بها ، هي الدولة التى تكفل الحريات ،وتشجع على المبادرة ، وتحفز أبناءها على الابتكار . فيعمل الفرد في وسط أجواء عادلة تحرض فيها الدولة كل مواطنيها على نيل حقوقهم كاملة ، كما تلزمهم بأداء واجباتهم كاملة كأحسن مايكون وأفضل ما يكون الآداء.
ومن المؤكد أيضا أن الأسرة التى يحلم الإنسان هي الأسرة التى يأخذ أفرادها حقوقهم من غير إهدار ولا تفريط في أداء الواجبات . ولايمكن أن يتحقق ذلك أبدا إلا من مفهوم واحد ، وهو الحرية وهذا مادفعني لكتابة مثل هذا المقال .
إن لكل حضارة من حضارات الأمم الشعوب الإنسانية قيم من أجلها تقوم الحضارة وتميزها عن غيرها . وإن ما يميز حضارتنا التي نحيا بين جنبيها هي قيمة " الحرية " . وهذا هو أساس حضارتنا . دعنا نتذكر جميع الثورات التي قامت من قديم الأزل إلى اليوم. إنها ما قامت إلا لنيل شئ واحد وهو " حرية " الشعوب والتخلص من الظلم والقهر والاستبداد .
ولا أتعجب حين أقول لكم أن حضارتنا هذه لاتعي معنى الحرية الحقيقى برغم ان الحرية هو ما يميزها ، وبرغم ما وصلنا إليه من تقدم علمي وفني وإنساني وحضاري . وأيضا على الرغم مما تملكه حضارتنا من علماء وأدباء ومفكرين وحكماء فقد عجزوا جميعهم عن معرفة ماهية الحرية ، وحدودها ، وما لها وما عليها . إننا لم نصل بعد إلى الحرية التى ترتقي بجميع الآدمين وتسع بنى البشر كلهم دون تفضيل على أى أساس عرقي أو جنسي تحت لواء وشعار واحد وحيد فقط .
وحتى لايكون حديثى بعيدا عن الواقع ، فهذه أمثلة حية وواقعية كلنا يعرفها أسوقها إليك لتدرك أننا في عالم تائه لم يصل إلى الحرية الحقيقة التى يتغنى بها . إن كوكب الأرض ومافيه ليس ملكا لأحد من البشر وليس لأحد فيه حق التصرف وإنما هو مسخر لجميع من كان من ذرية آدم عليه السلام وبناءا على ذلك يجب أن نصونه لتلك الأجيال القادمة من بعدنا . ومع ذلك نرى ونشاهد تلك الأيدي العابثة التى أطلقت لنفسها الحرية فى أن تفعل فى هذا الكوكب ما تشاء حتى صرنا نشكو من ظواهر كونية غريبة تهدد حياة الآدمين ليس حياتهم فحسب ، بل تهدد بالقضاء على كل مظاهر الحياة وكل كائن يعيش على هذا الكوكب . فها نحن اليوم نشكو من ظاهرة الاحتباس الحراري، وثقب الأوزون ، وانصهار الجليد، وتلوث المياة ، ونقص المياة العذبة ، وغيرها من القضايا التى لم يصل لنا بها علم !!
إن كل هذه الكوارث المهددة وارئها سبب واحد وهو عدم اكتراث الدول الكبرى والصناعية العظمى بقوانين البيئة . فهى ترى أنها "حرة" مادامت تكفل "لأبناءها" رغد الحياة وطيب العيش ولو كان ذلك على حساب الدول والشعوب النامية والفقيرة التى يموت منها مايقرب من 50 ألفا يوميا بسبب الفقر الذي جعلهم عاجزين عن مواجهة تلك الكوارث التى تحصدهم حصدا . فثروات بلادهم منهوبة لأجل حياة كريمة لأبناء العالم المتقدم .
ليست تلك هي الحرية التى تكفل لفرقة دون أخرى حقوقا أو تلزمهم واجبا. فالحرية اليوم قسمت بنى آدم إلى قسمين قسم نامي ومتخلف وأوجبت عليهم واجبات وقسم متقدم أغدقت عليهم بالحقوق .
ولقد جاءنا من أنباء فرعون وقوم هود ولوط وصالح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم التى استكبرت واستعلت فى الأرض ثم طغت وتجبرت تحت دعوى الحرية والقوة ،فما أغنى عنهم بأسهم ولا قوتهم حين جاءهم أمر الله وبأسه . فهذا غرق جزاء بما كسب ، وهذا جاءته الريح فهلك، وذلك خسف الله به وبداره الأرض جزاء بما ظلم . لأنه باختصار " للحرية حدود " .
ولهذا جاءت رسل ربك ، ليعلموا اقوامهم وينذرونهم ويبصرونهم بحدود حرياتهم فلا يعتدوها . انظر ما فعل ربك بفرعون حين جاءه موسى عليه السلام فقال :" أنا ربكم الأعلى" فكان الجزاء "فأخذه الله نكال الأخرة و الأولى". واقرأ عما فعل الله بقوم لوط عندما لم يذعنوا لأمر لوط عليه السلام وينتهوا عن الفاحشة ... فماذا كان الجزاء ؟!
مثال آخر . عندما يساء إلى رسل الله تحت دعوى حرية الفكر والرأى والابداع .. وفى أى حضارة؟ .. فى أقوى حضارة شهدها العالم الحديث . يساء إلى سيد الخلق والمرسلين بل وأيضا يسيئون إلى نبيهم عيسي عليه وعلى أمه السلام - اللهم احصن المسلمات كما حصنت مريم بنت عمران - في فيلم "دافنشي كود" الذي عارضه الكثير منهم واعتبروه اساءة لنبيهم أيضا. إنه لأمر مؤسف حين تصل حضارتنا لهذا الحد حين تهين عظماء البشر وهم الانبياء والرسل وليس لهم من نصير إلا الله . فياخوفي من عذاب وغضب علينا كما غضب الله من الأمم التى فعلت برسلهم ما نفعله اليوم .
إن الحرية الحقة هي التى أراها في الإسلام لا لكونى مسلم ،فأتعصب لها ولكن بالنظرة الواقعية المتأملة ننظر إلى مافعله الرسول وما دعا إليه . إنه ما دعا إلا إلى تنظيم الحريات والخير . فأعتق الرقاب - ليس هناك حر وعبيد للبشر وإنما كلهم أحرار وعبيد لله فاطر السموات والأرض - والمؤاخاة بين البشر "فكلنا إخوة كلنا من آدم وآدم من تراب" ،حارب وأد البنات - لاتفرقة على أساس جنسي- وإلى تخليص الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد "وهو المفهوم الأعلى والأسمى والأكمل للحرية" فلا تخضع رقبة ولايذل أنف امرئ إلا لله .
أيضا عندما تقوم دولة قوية عظيمة ويشهد لها التاريخ ضمت مشارق الأرض ومغاربها ، من حدود الصين إلى الأندلس في 30 سنة . هنا لنا وقفة لكل ذي لب ومفكر. 30 سنة فقط تقوم دولة بمثل هذه القوة والتأثير والانتشار ... إنها بكل المقاييس السياسية والعسكرية دربا من الخيال فقد عجزت كل امبراطوريات العالم من ضم العالم فى مثل تلك السنوات رغم ما كان لما ماكان من الذخيرة السلاح والسطوة النفوذ . فقد كان هناك شيئا أخر هو ماعمل على انتشارها وهى تلك القواعد الراسخة والأسس الثابتة فى تنظيم الحريات وإعطاء الحقوق وإلزام الواجبات . بالله عليكم هل قرأتم أو سمعتم عن ثورة أو انتفاضة أو انقلاب عسكري فى مدينة أو قرية تحت حكم الدولة الإسلامية على رغم من تعدد الأجناس والاعراق وللغات والثقافات. فلو أنفقت ما في الأرض جميعا لتؤلف تلك القلوب تحت لواء واحد ما "ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" بما وضعه من حدود وأوامر ونواهي هي فى صميم العدل والرحمة التى تناسب البشر وتضمن لهم إطار متساو من الحريات والحقوق والواجبات.
واليوم نرى أعظم امبراطورية تتدخل فى شئون غيرها من الأمم وتشن عليها الحروب تحت دعوى "صيانة الحرية والحذر من الإرهاب" . فليعلموا أنهم هم الإرهاب الحقيقى.قد نشهد حربا عالمية اخرى تقوم من أجل العراك على الحرية بعد أن عانت شعوب من الظم والفقر والاستبداد. فإن كنا نحن أحد أطراف تلك الحرب - اللهم جنبنا الحروب - ولم نكن قادرين على تجنبها ، فسيكون لنا ميراث الأرض"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون". وسنحقق أسمى قيمة للحرية "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون". وبذلك سنعيش فى مدينة الحرية .